15‏/11‏/2011

البحــــر القـــــديم

البحــــر القــــــديم

شعر: مصطفي سند

بيني وبينك تستطيلُ حوائطٌ ..

ليلٌ ... وينهضُ ألفُ باب

بيني وبينك تستبينُ كُهولَتي

وتذوبُ أقنعةُ الشباب

ماذا يقولُ الناسُ إذْ يتمايلُ النخلُ العَجوزُ سَفاهةً

ويعودُ للأرضِ الخراب....

شبقُ الجروفِ البكرِ للأمطارِ

حينَ تَصِّلُّ في القِيعَانِ رقْرقةُ السراب

عبَرَت مَلامِحُكَ النضيرَةَ خَاطِري

فهتفتُ لَيتَك لا تَزال

للريحِ نُورُكَ ، للمَسَاءِ، وللظِلال

والبرقُ لِي .. والرعْدُ ، والسُحُبُ الخَطَاطِيفُ الطِوال

تُرْوى هَجِيرَ النَّارِ تَحتَ أضَالِعي الحَرَّى

وتُلْحِفُ في السُؤال

كيفَ ارتحَالُكَ في العَشيِّ

بِلا حَقَائبَ أو لحاف ؟

تَرتَادُ أقْبِيَةَ المَكاتِبِ والرُفوفِ السُودِ

والصُحُفِ العِجَاف

زمناً يُمَصُّ الضوء من عينيك

يُصلَبُ وجهُك المَنسيّ في الدَرجِ العَتيق

أثراً كَومضِ شَرارةٍ تَعْبَى على خشبِ الحريق

كيف ارتحالُك أيّها المَصلوبُ مثل شواهدِ الموتى

بزاويةِ الطَريق

سَكَنَ السَحَابُ ومَرَّ طَيفُك من جديد

نَثَرتْهُ كَفُّ البرقِ حينَ تلاحَقَ الإيمَاضُ

وانعتَقتْ شراراتُ الرُعُود

أرخَى وأزْهَرَ ثمَّ طارَ زنابقاً كالثلجِ لامعةَ الخُدود

حَلقُ المَرايا رنَّ كالنَاقُوسِ

وانفرَطت مَلايينُ العُقود

فإذا هَممتُ توارتِ الألوَانُ

وانتصبَت شَبابيكُ الجليد

أنا في الرياح مسافرٌ يَلقَى على الأبْوَابِ

جَارِحةَ الرُدود

بيني وبينك تستبينُ مخالِبي

وتسيلُ مِن شَدْقِي الدِمَاء

وَحشٌ أنَا ، غُولٌ خُرَافِيُّ العُواء

تَحوى تَوابِيتي دقيقَ المَوتِ

تَزحَفُ مِن سَراديبي ثَعابِينُ الشِتاء

سِبْري: عَجينُ السِدْرِ ، سِنُّ الحُوتِ

هَيكَلُ مُومياء

بيني وبينك ما يراهُ النَّاسُ

سَروةَ شاطىءٍ نَاءٍ ، وزهرةَ كستناء

تتلاصقانِ على الرمالِ فتُذْهَلُ الدُنيا وترتعشُ الحُقول



مِنكَ الشبابُ عُصارةُ النبتِ الجَديدِ

ومِهرَجَاناتُ الفُصول

ونراكَ تحفِلُ بالعواجيزِ العِتاقِ صفائحِ الأيّامِ مَقبَرةِ الأفُول

كيفَ انعِطَافُكَ للبَصيصِ وهذه زُهْرُ النُجومِ تَهُمُّ نحوكَ بالنزول؟

كيف التجَاؤُك للتماثِيلِ التي أسِنَت على بِركِ الوُحول؟


بيني وبينك سكّةُ السفرِ الطَويلِ

من الربيعِ الي الخريف

تعلو قصورَ الوهمِِ أنتَ

ومَرقدي في الليلِ أتربةُ الرصيف

هم ألبسُوكَ دِثَارَ خَزّ ٍنَاعمَ الأسلاكِ

منغومَ الحفِيف

ودعوكَ: تاجَ العزّ ، فخر العزّ ، مجد العزّ

شمس العزّ ، يومَ العزّ ، عزّ العزّ .،،،،،

صَبّوا في دِمَاكَ

عُصارةَ الكَذِبِ المُخيف

وأنا الذي حرقَ الحشاشة في هَواكَ

مُمزّقَ الأضلاعِ مطْلُولَ النَزيف

بيني وبينك قصّةُ الشعراءِ صَدرُ غَمامةٍ

يَلهو على الأفقِ الشَفيف

هذا أنا

بَحرٌ بِغيرِ سَواحلٍ ، بَحرٌ هُلامّي عَنيف

لا قاعَ لي ، لا بدءَ لي ، لا عُمْرَ لي

لكنَّنِي في الجوفِ ينبِضُ قَلبَي

النَزِقُ

اللَّهِيف .